يمكنك التواصل مع إدارة الموقع عبر البريد الالكتروني: [email protected]
الجولاني في قمة المناخ في البرازيل… ووراءه جبال العلويين متفحّمة
هذا النص يتناول المفارقة الأخلاقية في تلميع صورة أحمد الشرع الملقّب بأبي محمد الجولاني على الساحة الدولية، وظهوره في قمم المناخ، بينما تحوّلت جبال يسكنها العلويون في الساحل السوري إلى غابات محترقة ورماد.

رجل بدأ مسيرته مقاتلًا في صفوف القاعدة في العراق، ثم أسّس جبهة النصرة، ثم قاد هيئة تحرير الشام المصنَّفة تنظيماً إرهابياً، قبل أن يُعاد تدويره فجأة كرئيس أو “رجل دولة” يُستقبل في العواصم الغربية.PBS+2CSIS+2
وبينما يتبادل النكات مع مسؤولي المناخ عن “التحوّل الطاقي” و”الاستدامة”، هناك على بُعد مئات الكيلومترات من قاعة المؤتمر، جبال العلويين التي احترقت عشرات آلاف الهكتارات من غاباتها في ريف اللاذقية، تحوّلت إلى تلال من الفحم والرماد، وسكانها يعدّون خسائرهم شجرةً شجرةً، وبيتًا بيتًا.
من مقاتل في القاعدة إلى “رئيس يتحدث عن المناخ”
لا أحد يجهل مسيرة أحمد الشرع، المولود في الرياض، الذي قاتل مع القاعدة في العراق، ثم عاد ليؤسّس فرعها في سوريا تحت اسم “جبهة النصرة”، قبل أن يعيد تسمية مشروعه إلى “جبهة فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام” سعيًا لفكّ الربط العلني مع القاعدة، مع احتفاظه بجوهر أيديولوجيا السلفية الجهادية.PBS+1
لفترة طويلة، كان اسمه على قوائم الإرهاب الأمريكية، مع مكافأة وصلت إلى عشرة ملايين دولار لمن يدلّ عليه. ثم، في المشهد السوري الجديد، وبعد إسقاط النظام القديم، أعيد تقديم الرجل فجأة كـ”رئيس انتقالي” و”قائد ثورة” و”شريك محتمل” للغرب في محاربة الإرهاب… وربما – لاحقاً – كشريك في “حماية المناخ” أيضاً.Le Monde.fr+4Encyclopedia Britannica+4AP News+4
في لغة الدبلوماسية الباردة، يتحوّل الرجل من “زعيم تنظيم إرهابي” إلى “رئيس دولة صديق”، ومن “إرهابي مطلوب” إلى ضيف شرف في عواصم العالم. المشكلة ليست في تبدّل اللقب، بل في أن دماء الناس وآثار الجرائم وخراب الجبال لا تتبدّل معه.

جبال العلويين التي احترقت… بلا منصّة، بلا مؤتمر
في صيف 2025، شهدت جبال الساحل السوري واحدة من أوسع حرائق الغابات في تاريخها الحديث:
- تقارير إعلامية وبيئية تحدثت عن احتراق آلاف الهكتارات من الغابات في ريف اللاذقية، من كسب إلى جبال القرداحة وجبال العلويين، وعن قرى أُحِيطت بالنار من كل جانب.
- بعض التقديرات تحدّث عن 10 آلاف إلى 16 ألف هكتار من الغابات طالتها النيران في موجات حرائق مفتعلة من قبل عصابات الجولاني الإرهابية، وعلى امتدادات واسعة ومناطق مختلفة على امتداد عام 2025، مع نزوح مئات العائلات، وخسارة مساحات ضخمة من الأشجار المعمّرة التي تشكّل العمود الفقري لاقتصاد الريف الجبلي ولسكانه.
هذه الجبال ليست مجرد “مساحات خضراء” على خريطة، بل هي البيت الطبيعي والتاريخي للطائفة العلوية:
- قرى فوق السحاب،
- مزارع زيتون وتين وعنب،
- مقابر أجداد،
- ذاكرة جماعية كاملة تحوّلت فجأة إلى رماد.
ويعرف العلويون جيدأ أسباب هذه الحرائق الهمجية ، لكن لا حول لهم ولا قوة سوى محاولات يائسة لإطفائها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. حيث ترى سلطة الأرهابي الجولاني إحراق جبال وقرى العلويين كورقة ضغط لإخضاع وإذلال العلويين وقتلهم وتهجيرهم، وجغرافيا يمكن “تغييرها” بالنار كما غُيِّرت بالرصاص من قبل.
هذه بعض التوثيقات للحرائق التي قامت بتسجيله ميليشيات الجولاني الإرهابية في مناطق وأزمان مختلفة:
المناخ في قاعة المؤتمرات… والمناخ في جبال الحرب
في قمّة المناخ، الحديث يكون عن:
- “الحياد الكربوني”،
- “خفض الانبعاثات”،
- “التكيّف مع التغيّر المناخي”.
لكن المناخ في جبال العلويين – وغيرها من مناطق سوريا – ليس مجرّد معادلات كربون، بل ناتج مباشر لإحراق مناطق العلويين، والتهجير، والحصار، وترك الغابات بلا حماية أو إدارة.
حين يُفترض بالجولاني – صاحب التاريخ الطويل في الحرب والمعسكرات والسجون – أن يجلس اليوم في موقع “الرئيس المهتم بالاستدامة”، يصبح السؤال الأخلاقي فاضحًا:
بأي وجه يمكن لرجل متّهم بقيادة ميليشيات أشعلت حربًا أهلية، وأقامت سلطات قمعية محلية، وأدار مناطقٍ تحوّلت فيها الغابات إلى جبهات ومناطق ألغام وحرائق، أن يتحدث عن “البيئة” و”المناخ” و”الطاقة النظيفة”؟
البيئة، في سوريا، ليست ملفًا منفصلًا عن السياسة.
تحويل الجبال إلى رماد، واستخدام طائرات الدرون بإشعال الحرائق، ومحاصرة القرى، ومنع فرق الإنقاذ والإطفاء من الوصول، ثم تركها تحترق، هو أيضًا جريمة بيئية – طائفية، حتى لو لم تُسجَّل في قاعات الأمم المتحدة بهذا الاسم حتى الآن.

من يحاسب من؟
الجبال كشاهد صامت على الجريمة
الحرائق الضخمة في جبال الساحل، نتيجة الإحراق المتعمد، ومنع فرق الإطفاء من إخمادها، وتلفيق الأكاذيب، لها نتائج ملموسة:
- تدمير الغطاء النباتي الذي يحمي التربة من الانجراف والانهيارات.
- خسارة بساتين الزيتون والتين والعنب التي تعيش منها آلاف العائلات العلوية في القرى الجبلية.
- تسريع الهجرة من الجبال إلى المدن أو خارج البلاد، أي إفراغ مناطق يسكنها علويون منذ قرون.
- تغيير ملامح المكان بحيث يصير أكثر هشاشة أمام أي مشروع ديموغرافي أو عسكري لاحق.
عندما تُركت هذه الجبال تحترق، لم تكن هناك مؤتمرات طارئة ولا وفود دولية تتدفق لمساعدة السكان. الفرق الوحيد هو أن الكاميرات كانت مشغولة في أماكن أخرى، وأن من يمسك بزمام الأرض اليوم غير مهتم بأن يحاسب نفسه أمام أحد.
في المقابل، حين يُفتح باب قمة المناخ لأي رئيس جديد يحمل لقب “معتدل” و”رجل المرحلة”، فإن المنظومة الدولية ترسل رسالة واضحة:
يمكن أن تكون لك ماضٍ جهادي ثقيل، وسجل دموي طويل، وملفات مفتوحة ضدك، لكن إن لعبت اللعبة السياسية كما يجب، يمكن أن تجد لك مقعدًا في الصف الأمامي تحت شعار “إنقاذ الكوكب”.













بين ضحايا الجبال وضيوف القمم
من السهل أن يتحوّل المناخ إلى ديكور:
- صورة لزعيم يزرع شجرة أمام الكاميرات،
- توقيع على “اتفاق أخضر”،
- خطاب حماسي عن “مسؤوليتنا تجاه الأجيال القادمة”.
لكن الجبال المحترقة في سوريا – جبال العلويين وغيرها – تفضح هذه المسرحية.
فالأجيال القادمة التي يتحدث عنها السياسيون يعيش جزء كبير منها اليوم في خيام، أو في بيوت بلا تدفئة، أو في قرى فقدت أشجارها ومصدر رزقها.
العدالة المناخية لا يمكن أن تُفصل عن العدالة السياسية والعدالة الطائفية:
- لا معنى للحديث عن حماية الغابات بينما تُحرق قرى بأكملها أو تُهجَّر،
- ولا معنى للحديث عن “العدالة بين الشمال والجنوب” بينما يُستقبل قادة ميليشيات على أنهم رجال دولة محترمون، وتُترَك الطوائف التي كانت هدفًا مباشرًا للحرب – كالعلويين – خارج أي تمثيل حقيقي، بلا صوت ولا حماية.

حين يحاضر الجلّاد في أخلاقيات البيئة
قد نسمع غدًا خطابًا من أحمد الشرع/أبي محمد الجولاني يتحدث فيه عن:
- دور سوريا الجديد في “التحوّل الطاقي”،
- أهمية حماية الغابات،
- ضرورة مواجهة التغيّر المناخي بالتعاون بين الشمال والجنوب.
لكن جبال العلويين المحترقة، والغابات التي أكلتها النيران في اللاذقية، والقرى التي فقدت أشجارها وأهلها، ستبقى شاهدًا صامتًا على حقيقة أخرى:
أن العالم مستعد دائمًا لأن يغفر للجلّاد، إذا تغيّر لباسه وشكله وخطابه،
لكنه نادرًا ما يصغي لصرخة الضحية، خصوصًا إذا كانت تنتمي لطائفة صغيرة، مهمّشة، لا لوبي لها في العواصم الكبرى.
هذه المقالة ليست عن “المناخ” فقط، بل عن فضيحة أخلاقية أعمق:
كيف يمكن لقاتلٍ سابق، أو لزعيم تنظيم جهادي، أن يجد لنفسه مكانًا في قمم البيئة، بينما يتم تجاهل أصوات من احترقت جبالهم، ومُسحت قراهم من الخارطة، وتحوّل تاريخهم إلى رماد؟
إن كانت هناك قمّة مناخ حقيقية يجب أن تُعقد من أجل سوريا، فهي ليست فقط عن ثاني أكسيد الكربون، بل عن:
- إطفاء نار جرائم الإبادة بحق العلويين والأقليات،
- إعادة الحياة إلى الجبال المحروقة،
- وإعادة الاعتبار لمن دفعوا الثمن الأكبر، من العلويين وغيرهم، قبل أن تُعقد أي قمّة، وقبل أن يُفرش السجاد الأحمر لأي “رئيس جديد” جاء على ظهر ميليشيا وسلسلة من الجرائم.
