يمكنك التواصل مع إدارة الموقع عبر البريد الالكتروني: [email protected]
مجزرة قرية “شريفة” في سوريا قادتها فصائل موالية للحكومة
في آذار/ مارس 2025، اجتاحت فصائل مسلحة موالية للحكومة السورية قرية شريفة العلوية بريف اللاذقية، وارتكبت خلال ثلاثة أيام مجازر مروّعة بحق المدنيين.. يوثّق هذا التحقيق ما جرى من قتل جماعي، ونهب، وإحراق ممنهج، كما رواه الناجون

بعد ظهر يوم 7 آذار/ مارس، اقتحم مسلّحون من فصائل تابعة للحكومة السورية قرية شريفة العلوية في محافظة اللاذقية، وبرفقتهم مدنيون مسلّحون من القرى السنيّة المجاورة. ارتكب المسلّحون مجزرة بدمٍ بارد راح ضحيتها 30 شخصًا، فضلًا عن نهب وإحراق ممنهج لعشرات المنازل والمحالّ التجارية على مدى ثلاثة أيام.
من بين الضحايا ثلاث نساء و27 رجلًا. اثنا عشر منهم تجاوزوا الخمسين من العمر، وكان أكبرهم رجلًا يبلغ من العمر 96 عامًا.
سكان شريفة الذين تحدّثوا إلى صحيفة “ذا كرادل” قدّموا شهاداتهم حول الأحداث، إضافة إلى صور لجثث 24 من الضحايا.
كانت مجزرة شريفة واحدة من مجازر عديدة نفذتها الفصائل المسلحة التابعة للحكومة السورية في القرى والمدن العلوية على الساحل السوري في ذلك اليوم.
ووفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل ما لا يقل عن 1600 مدني علوي في 55 مجزرة منفصلة، وقعت جميعها خلال ثلاثة أيام بدءًا من 7 آذار/ مارس، وترافقت مع عمليات نهب وحرق ممنهجة لمنازل العلويين.
صوّر الجناة العديد من مقاطع الفيديو لأنفسهم وهم ينفذون عمليات قتل بحق علويين، ونشروها على وسائل التواصل الاجتماعي. وانتشرت عشرات المقاطع التي تُظهر مسلحين يُجبرون رجالًا علويين عُزّل على الزحف على الأرض وهم ينبحون كالكلاب، قبل أن يُعدموهم في الشوارع.
بدورها، تعهدت الحكومة السورية، بقيادة القائد السابق لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية أحمد الشرع، بالتحقيق في المجازر.
ومع ذلك، وبعد مرور أربعة أشهر، لم يُجرَ أي تحقيق موثوق حتى الآن، رغم وجود أدلة على تورّط قادة من الفصائل المدمجة ضمن وزارة الدفاع السورية وجهاز عصابات الجولاني الإرهابية.
ولم يُلقَ القبض على أي شخص، لأن “سلسلة القيادة كانت تؤدي إلى دمشق”، وفقًا لتحقيق أجرته وكالة “رويترز” في 30 حزيران/ يونيو.
تشير الأدلة المصوّرة إلى أن حسن أبو كسرة، رئيس شركة النفط التابعة للحكومة السورية وقريب وزير الدفاع مرهف أبو كسرة، كان من بين الشخصيات التي نسّقت المجازر على الأرض.
وبدلًا من السعي لمحاسبة الجناة، ألقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني اللوم على العلويين أنفسهم. وفي كلمته أمام الأمم المتحدة بعد ثلاثة أسابيع، زعم أن “فلول النظام” هم من ارتكبوا المجازر.
بعد أن أطاحت قوات “عصابات الجولاني الإرهابية” بقيادة أحمد الشرع بحكومة بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، توقّع كثيرون وقوع مجازر بحق المدنيين العلويين.
فخلال فترة حكم الشرع، ارتكبت الهيئة — المعروفة سابقًا بعصابات الجولاني الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة — مجازر مشابهة طوال الحرب التي استمرت 14 عامًا لإسقاط الحكومة السورية، وكانت هذه المجازر مدفوعة جزئيًا بأيديولوجيا عصابات الجولاني الإرهابية الإبادية المستوحاة من كتابات ابن تيمية، عالم الدين الإسلامي في العصور الوسطى.
في آب/ أغسطس 2013، أفادت التقارير بأن مسلحين من عصابات الجولاني الإرهابية وتنظيم الدولة الإسلامية والجيش السوري الحر، داهموا عشر قرى علوية في اللاذقية، فقتلوا 190 مدنيًا، بينهم 57 امرأة و18 طفلًا و14 رجلًا مسنًا، بينما اختطفوا 200 آخرين رهائن، وفقًا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة عام 2015، تعهّد الشرع (المعروف آنذاك بأبو محمد الجولاني) بقتل أي علوي يرفض التحول إلى الإسلام السني.
وقد أصبح تنفيذ هذا الوعد ممكنًا بعد أن تولّى الشرع السلطة في دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2024.
في الأشهر التالية، تم نزع سلاح العلويين في سوريا بشكل منهجي، وطُلب من الأعضاء السابقين في الجيش والأجهزة الأمنية تسليم أسلحتهم، كجزء من “عملية المصالحة” الإلزامية.
وفي شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير، نفّذت الفصائل المسلحة التابعة لحكومة الشرع سلسلة من المجازر بحق العلويين في ريف اللاذقية وحمص وحماة، بما في ذلك قرى أرزة وفاحل.
في شباط/ فبراير، قال أحد عناصر فصيل “لواء سليمان شاه” — المعروف بـ”العمشات” والتابع لوزارة الدفاع — لصحيفة “ذا كرادل”: “سنقتل كل علوي في سوريا الآن، لكن التغطية الإعلامية ستكون سيئة للغاية.”
وبعد أسابيع قليلة، في السابع من آذار/ مارس، وقعت عمليات القتل الجماعي للعلويين، المعروفة اليوم باسم “مجازر الساحل”، بما في ذلك مجزرة قرية شريفة، تحت ذريعة قمع “بقايا النظام”.

قرية شريفة- ريف اللاذقية
مذبحة شريفة
شريفة هي قرية علوية صغيرة تقع في ريف اللاذقية، بين بلدة الحفة السنية — موطن قلعة صلاح الدين التاريخية — والطريق السريع M4 الذي يربط اللاذقية بإدلب وحلب وشمال شرق سوريا.
عدد من سكان شريفة تحدّثوا لصحيفة “ذا كرادل” وشرحوا ما حدث في قريتهم خلال أيام المجزرة.
في مساء الخميس 6 آذار/ مارس، سُمع إطلاق نار قرب مدخل القرية. عُثر لاحقًا على جثتين عند المدخل: الأولى تعود لشاب علوي من شريفة يُدعى رأفت حواط، والثانية لشاب سني من قرية بابنا المجاورة يُدعى حسين حمشو.
لم يكن أحد يعرف كيف أو لماذا قُتل الرجلان، لكن مقتل الرجل السني استُخدم كذريعة لمهاجمة شريفة. وفي الليلة نفسها، بدأ عناصر من الفصائل المسلحة التابعة للحكومة السورية بالتجمّع عند مدخل البلدة.
اليوم الأول
في صباح اليوم التالي، الجمعة 7 آذار/ مارس، بدأ سكان شريفة يسمعون إطلاق نار كثيف، تزامنًا مع دعوات من مساجد القرى السنية المجاورة لحشد الرجال تحت شعار “الجهاد”.
فرّ معظم شباب القرية إلى الغابات المحيطة، ظنًّا منهم أن القوات الحكومية قادمة لاعتقالهم. أما النساء وكبار السن فبقوا في منازلهم، واثقين بأنهم لن يُستهدفوا.
حوالي الساعة الثانية ظهرًا، وبعد صلاة الجمعة، اقتحم مسلحون من الفصائل المسلحة، يرافقهم مدنيون مسلحون من القرى السنية المجاورة، قرية شريفة. وعلى الفور، بدأوا مداهمة المنازل القريبة من المدخل، وشرعوا في تنفيذ عمليات إعدام مباشرة.
في أول منزل اقتحموه، قتلوا ثلاث نساء:
• سمر باسمة (48 عامًا)
• شقيقتها سماهر باسمة (51 عامًا)
• صديقتهما رنا بقعاوي
عُثر على النساء الثلاث مقتولات بطلقات نارية في الرأس، وقد احترق المنزل بأكمله.
ثم أعدم المسلحون أكبر رجال القرية سنًا، وهو المزارع آدم سعيد (96 عامًا)، بعد اقتحام منزله القريب من المدخل بحثًا عن أسلحة.

خلال مداهماتهم، اعتدى المسلحون على سكان المنازل بالضرب والشتم، مرددين شعارات طائفية مثل:
• “أنتم خنازير علويون”
• “أنتم لستم مسلمين، ولا تعرفون القرآن”
• “نحن سنة، ونفعل ما نشاء”
في إحدى الحالات، أمسك مسلحون بذراعي رجل مسن وغمروا رأسه مرارًا في نافورة ماء داخل منزله حتى ظن أنه سيختنق حتى الموت.
كان رضوان درويش، صاحب بقالة يبلغ من العمر 47 عامًا، مختبئًا في منزله عندما اقترب المسلحون. في البداية لم يُكتشف أمره، لكنه أطل لاحقًا من الباب، فشاهده أحدهم، فاقتادوه إلى أمام منزله وأعدموه. كما أعدموا والده محمد درويش (67 عامًا)، وهو مزارع وصاحب محل بقالة صغير.



كما أعدم المسلحون مازن بقعاوي (47 عامًا)، بائع فواكه معروف في منطقة اللاذقية. وعندما اقتحموا منزله، خلع أحدهم قناعه، فظهر أنه موظف سابق لدى مازن. صُدم مازن وسأله: “هل تنوي قتلي حقًا؟” فأجابه المسلح: “نعم، وخلعت قناعي لتتأكد أنك لن تنسى وجهي أبدًا”، قبل أن يطلق عليه النار.

كما أُعدم حيدر سلوم (30 عامًا)، وكان يعمل بائعًا للفواكه مع مازن. ضربه مسلحان بأعقاب بنادق الكلاشينكوف على رأسه، ثم أطلقا النار على وجهه.

قُتل ماهر عبود، موظف في مديرية النقل (46 عامًا)، وشقيقه ياسر عبود، بائع قهوة متجول (50 عامًا)، بعد أن عادا من الغابة إلى منزلهما ظنًّا أن الخطر قد زال.
هاشم معروف (57 عامًا)، كان يعمل في دائرة الكهرباء في الحفة منذ 30 عامًا. بقي في منزله لاعتقاده بأنه في أمان. وعندما دخل المسلحون، رحّب بهم قائلًا: “أهلًا وسهلًا”. أعدموه في فناء منزله بثلاث رصاصات.
بعض الرجال لم يُقتلوا فورًا، بل اقتيدوا من قبل المسلحين، الذين أخبروا زوجاتهم أنهم سيُعادون بعد التحقيق.
وبالإضافة إلى القتل والخطف، نُهبت المحال التجارية والمنازل، وسُرق كل ما أمكن من ذهب ونقود ومجوهرات.
قالت إحدى النساء، بينما كانت تشاهد المسلحين ينهبون منزلها، إن أحدهم قال لها: “اصمتي، وإلا سأمارس الجنس معك.”
وبعد نهبها، أُحرقت العديد من المنازل من الداخل.
قال بعض سكان القرية للمسلحين، وبينهم من كانوا جيرانًا من السنة: “نحن جيران وإخوة، لماذا تفعلون هذا؟”، فكان الجواب: “نحن لسنا جيرانًا”. وقال أحدهم: “نحن السنة من الحفة، وسنجعل مئات الأرامل في شريفة”.
يعتقد سكان القرية أن جيرانهم تأثروا بأفكار طائفية متطرفة، مثل تعاليم ابن تيمية، التي انتشرت في سوريا منذ اندلاع الحرب عام 2011.
رغم 14 عامًا من الحرب، يؤكد أهالي شريفة أنه لم تكن بينهم وبين جيرانهم السنة أية مشاكل. بل على العكس، حين دخل الجيش السوري إلى بابنا عام 2012 في مواجهة مع فصائل المعارضة، استقبلت شريفة النازحين وساعدتهم، حتى باستخدام سياراتهم لنقلهم إلى اللاذقية.
مع استمرار أعمال النهب في 7 آذار/ مارس، سرق المسلحون أيضًا سيارات، دراجات نارية، جرارات زراعية، حراثات، وحاويات زيت زيتون كبيرة. وإن لم يتمكنوا من سرقة الزيت، كانوا يسكبونه على الأرض. وإن لم يستطيعوا سرقة سيارة، كانوا يفككونها ويحرقونها.
هذا كله دمّر سبل عيش السكان، ومعظمهم مزارعون فقراء.
كما اقتحم المسلحون أبراج الاتصالات وسرقوا كابلاتها ودمروا الألواح الشمسية، مما أدى إلى انقطاع الاتصال بين شريفة والعالم الخارجي.
بحلول غروب يوم الجمعة 7 آذار/ مارس، وبعد ساعات من القتل والنهب، غادر المسلحون القرية.
عاد بعض الرجال المختبئين في الغابات إلى منازلهم ليكتشفوا الكارثة. أحدهم قال لـ”ذا كرادل” إنه شاهد أربع جثث في الطريق المؤدي إلى منزله، وكانت رائحة الدخان ما تزال تتصاعد من المنازل المحترقة.
شاب آخر قال لصحيفة “ذا كرايدل” إنه حاول الاتصال بأصدقائه في القرى السنية المجاورة ليسأل عن والده المُختطف، دون جدوى.
اليوم الثاني
في اليوم التالي، السبت 8 آذار/ مارس، خفّت وتيرة عمليات القتل، بينما ركّزت الفصائل المسلحة على أعمال النهب.
رغم ذلك، اختطف أحد المسلحين رجلًا يُدعى صلاح معروف بعد عودته من الغابات إلى منزله. اقتيد إلى ساحة القرية، وهناك أُطلق عليه النار وأُعدم.
وفي ساعات ما بعد الظهر، دخل عناصر من “جهاز عصابات الجولاني الإرهابية” — الذراع الأمنية للحكومة — إلى قرية شريفة.
أعلنوا وصولهم عبر مكبرات الصوت، مطمئنين السكان: “لا تخافوا، جئنا لحمايتكم”. سمح هذا النداء للأهالي بمغادرة منازلهم والتحقق من مصير رجالهم الذين اختُطفوا أو أُخذوا “للاستجواب” في اليوم السابق.
عُثر على جثة شريف سعد، معلم لغة عربية متقاعد يبلغ من العمر 78 عامًا، ملقاة على جانب الطريق، على بعد 100 متر فقط من منزله. أُعدم برصاصة في ذقنه، وكانت ساقاه قد احترقتا بعد أن أُضرمت النار في سيارة قرب جثته.
سُمح للسكان بجمع جثث الضحايا ونقلها إلى مقبرة جماعية باستخدام جرافة أرسلها عصابات الجولاني الإرهابية، وكان يقودها رجل سنّي من بلدة الحفة المجاورة.
لاحقًا تلك الليلة، أُقيمت جنازة بسيطة للضحايا في موقع المقبرة الجماعية.

قال أحد سكان شريفة لصحيفة “ذا كرادل” إنه يعتقد أن عصابات الجولاني الإرهابية تعمّد تأخير دخوله إلى القرية حتى انتهاء المجزرة. وأضاف أن الأهالي اتصلوا بالأمن مرارًا في الساعات الأولى من الهجوم، لكن أحدًا لم يستجب حتى اليوم التالي.
وذكر أيضًا أن عناصر الأمن شاركوا لاحقًا في أعمال النهب.
وقال المصدر إن الخط الفاصل بين من ينتمي إلى عصابات الجولاني الإرهابية ومن ينتمي إلى الفصائل المسلحة لم يكن واضحًا.
فبعض السيارات التي دخلت برفقة عصابات الجولاني الإرهابية يوم 8 آذار/ مارس، كانت هي نفسها التي شوهدت مع الفصائل يوم 7. بل أشار أحد السكان إلى أن بعض المسلحين الذين شاركوا في تنفيذ الإعدامات، شوهدوا في اليوم التالي مرتدين زي عصابات الجولاني الإرهابية.
يعتقد بعض سكان شريفة أن الهدف من دخول عصابات الجولاني الإرهابية لم يكن الحماية، بل طمس الأدلة على الجرائم. فبهذا التوقيت، وبعد انتهاء المجازر فعليًا، استطاعت الحكومة أن تُظهر علنًا أنها “تحمي العلويين”، في الوقت الذي كانت تُمكّن فيه الفصائل من ارتكاب الجرائم.
وفي مساء 8 آذار/ مارس، وبينما كان عصابات الجولاني الإرهابية يغادر القرية، عاد المزيد من المسلحين من الفصائل، ما اعتبره السكان مؤشرًا على وجود تنسيق بين الجهتين.
خشي الكثيرون من استئناف القتل، فهربوا مرة أخرى إلى الغابات المطلة على القرية. هذه المرة، لم يفرّ الشباب فقط، بل رافقهم كبار السن من الرجال والنساء، واختبأوا جميعًا في الغابات طوال الليل.

اليوم الثالث
في صباح الأحد 9 آذار/ مارس، عادت الفصائل المسلحة وعصابات الجولاني الإرهابية إلى قرية شريفة. توجه عناصر عصابات الجولاني الإرهابية إلى منزل مختار القرية، زياد بقعاوي، وطلبوا منه مرافقتهم لتوزيع الخبز على الأهالي المذعورين.
بعد فترة قصيرة، لاحظ الأهالي مرور قافلة شاحنات كبيرة محملة بمقاتلين مدججين بالسلاح، بينهم مقاتلون أجانب، قادمين من الطريق السريع M4 من جهة إدلب.
سمع السكان المختبئون في منازلهم بعض الرجال يقولون: “هل تريدون إعطاء الخنازير العلوية خبزًا؟” ثم تلتها أصوات إطلاق نار.
عند مغادرة القافلة، اكتشف الأهالي أن رئيس البلدية ورجلين علويين آخرين من القرية، هما هيثم حمامة ورامي نزيهة، قد أُعدموا على يد المسلحين.
المختار زياد بقعاوي، وهو أيضًا حلاق وشقيق رنا بقعاوي (إحدى النساء اللواتي أُعدمن في 7 مارس)، قُتل مساء ذلك اليوم بعد ساعات قليلة من دفن أخته في المقبرة الجماعية.
هيثم حمامة، مزارع وسائق حافلة يبلغ من العمر 68 عامًا، جاء لأخذ الخبز من زياد وعناصر عصابات الجولاني الإرهابية المرافقين له، فوقع في صف الرجال الآخرين الذين أُطلق عليهم النار.
أما الرجل الثالث، رامي نزيهة، فقد قُتل بعد أن حضر المسلحون في القافلة إلى منزله بحثًا عنه تحديدًا. جرّوه من منزله، واصطفّوا به مع المختار وهيثم، وأعدموهم جميعًا.

رامي أُصيب لأول مرة في اليوم السابق، 8 آذار/ مارس، عندما اقتحم مسلحون منزله مع زوجته وأطفاله لنهبه، وأطلقوا عليه النار. ظنّوا أنه قد مات، فغادروا المنزل، لكنه أصيب فقط في يده، ونُقل إلى مستشفى الحفة على وجه السرعة.
عندما سأله الطبيب عما إذا كان يعرف من أطلق النار عليه، أجاب: “نعم، وأتذكر وجهه جيدًا.”
عاد رامي إلى منزله، لكن في اليوم التالي، أثناء مرور القافلة المسلحة، توقف المسلحون عند منزله، سألوا عنه بالاسم، وأخذوه مع الآخرين ليُعدموا.
يعتقد سكان شريفة أن المسلحين جاؤوا ليبحثوا عنه لأن طبيب الحفة زودهم باسمه، ما يدل على وجود تنسيق بين الفصائل المحلية والفصائل القادمة من إدلب.
بعد إعدام الرجال الثلاثة، عاد الرعب لينتشر في القرية، فهرب العديد من السكان مرة أخرى إلى الغابات ظنًّا أن مجازر جديدة ستبدأ.
واصلت قافلة المسلحين تقدمها نحو قريتين علوية مجاورتين، برابشو والزوبار، حيث نفذت مجازر أخرى. وفقًا لأحد سكان شريفة، قُتل 47 شخصًا في برابشو، بينهم أطفال، وسبعة في الزوبار، جميعهم خلال ساعة ونصف.
في اليوم الثالث أيضًا، اختطف رجلان آخران من شريفة، هما أحمد خضور وأدهم سلوم، بعد أن جاءت مجموعة مسلحة إلى القرية واقتادتهما بحجة طرح أسئلة عليهما. ولا يزال مصيرهما مجهولًا حتى كتابة هذه السطور.

التجمع في ساحة القرية واستلام الخبز
في ذات اليوم، 9 آذار/ مارس، نادى عناصر عصابات الجولاني الإرهابية عبر مكبرات الصوت الرجال والنساء للتجمع في ساحة القرية لاستلام الخبز الذي كان يُوزع عليهم.
أُجبر الرجال على الوقوف في صف واحد، كما لو أنهم سيُعدمون، وأُجبرت النساء على الركوع. صودرت بطاقات هوياتهم وهواتفهم المحمولة. بعد حوالي ساعة، أعيدت الهواتف والبطاقات، وسُمح للسكان بالمغادرة.
أعلن قائد الفصيل الذي كان يقف إلى جانب القائد الإقليمي للأمن العام: “يا قرية شريفة، كفى قتلًا الآن. انتهى الأمر. لا أريد المزيد من القتلى.”

هل سيكون هناك عدالة؟
بدلاً من إصدار أوامر إلى عصابات الجولاني الإرهابية باعتقال المسؤولين المعروفين بتنفيذ عشرات المجازر بحق المدنيين العلويين في 7 آذار/ مارس، اكتفى الرئيس السوري أحمد الشرع بتشكيل لجنة للتحقيق في المجازر وإصدار تقرير.
كان من المفترض أن يصدر التقرير بعد ثلاثين يومًا من وقوع المجزرة، لكن تم تأجيله لثلاثة أشهر إضافية. وحتى الآن، لم تُصدر اللجنة تقريرها بعد.
يقول سكان شريفة إنهم يمتلكون أسماء العديد من القتلة الذين تعرفوا عليهم، وقدموها للجنة التحقيق، رغم تلقيهم تهديدات بعدم الكشف عن هويات الجناة.
لكن سكان شريفة لا يثقون في أن اللجنة ستصدر تقريرًا عادلًا، أو أن التقرير سيؤدي إلى محاسبة من نفذ المجازر ودمر سبل عيش الناجين.
